في ضوء الطروحات الأخيرة عن إمكان عقد مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية قريباً بدعم إقليمي ودولي، وعن مبادرات فرنسية ودولية في هذا المجال، في وقت عيّنَ فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غريمه عراب الصقورية والاستيطان في إسرائيل افيغدور ليبرمان (زعيم حزب إسرائيل بيتنا المتطرف) وزيراً للدفاع، وصرّح الأخير بأنه يؤيد مشروع الدولتين، مع أنه ما كان يتمنى في تصريحاته السابقة أيّ وجود للفلسطينيين في ما يسميه «إسرائيل الكبرى» (اريتز إسرائيل)، بما في ذلك معظم الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وتُطرح التساؤلات الكثيرة عما يجري بالفعل، وإذا ما كانت هذه الطروحات والمبادرات الأخيرة ليست أكثر من وسيلة إسرائيلية ـ دولية جديدة للتضليل والمراوغة وإضاعة الوقت، في وقت يقوم المستوطنون خلاله بأعمال شغب واعتداءات في القدس الشرقية.
وفي هذا السياق، تصدرُ مؤخراً كتب غريبة المصادر وغامضة هوية مؤلفيها وجنسياتهم، تتناول مواضيع الساعة في العالم العربي والإسلامي ويدعي مؤلفوها أنهم خبراء موضوعيين أو مستشارين حكوميين في الأوساط الغربية والعالمية، بينما تبقى الأسئلة مطروحة حول هذه الخبرات والهويات والموضوعية.
وبما ان الإسلام الجهادي هو موضوع الساعة، وقد كتب عنه الكثيرون في الغرب والشرق، فقد اختار مؤلف اسمه انطوان ـ جوزف عساف عنوان «الإسلام الراديكالي» لكتابه الصادر بالفرنسية عن دار «ايرول» في باريس في الأشهر الماضية.
الغلاف الخلفي لهذا الكتاب يشير إلى ان المؤلف إحتُجز كرهينة في لبنان في احدى المراحل، وأنه حائز على شهادة دكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية وعمل مستشاراً سياسياً ودفاعياً وقبطان سفينة حربية ومحاضراً في الكلية البحرية، من دون تحديد الدولة التي مارس فيها هذه النشاطات، ولكن المقصود الإيحاء بأنها فرنسا.
ولدى قراءة ما ورَدَ في الكتاب من المغالطات والأخطاء والإنحياز المفرط لإسرائيل ومواقفها، في سائر فصول الكتاب، فقد يتساءل القارئ كيف بإمكان السلطة الفرنسية استيعاب مثل هذه الآراء والمواقف لدى مستشاريها العسكريين وقادة سفنها الحربية؟
والسؤال الآخر: ماذا كان هذا الشخص المتعدد المهارات، والذي يحمل اسماً لبنانياً، يفعل في لبنان عندما احتجز كرهينة؟
ولكن، إذا حاولنا ترك الأجوبة على هذه الأسئلة جانبا الآن، فمن المهم التركيز على معرفة كيف يتناول الجانب الإسرائيلي موضوع الإسلام الراديكالي من خلال آراء هذا الكاتب التي تهيمن عليها المقاربة الإسرائيلية الليكودية الرسمية ومنطق رئيس الحكومة نتنياهو وأعوانه المتطرفين صهيونياً بالنسبة لموضوع الراديكالية والجهادية الإسلامية، وكيفية مواجهتها.
يتضمن الكتاب جزئين، يشمل الجزء الأول خمسة فصول والثاني ثمانية. وبين فصول الجزء الأول عن حرب لبنان الفصل الرابع. وفي الجزء الثاني فصل عما يسميه الكاتب «حرب اليهود في لبنان» وفصل عن الحرب السورية وآخر عن إيران ثم فصل عن قضية القدس ويسميها «القضية الصعبة» والفصل الأخير عن الإسلام الراديكالي من منطلقه المنحاز.
في هذا الفصل الأخير، يعتبر عساف ان دول المنطقة العربية ـ الإسلامية غير قادرة على احتواء وضبط الإسلام الراديكالي بمفردها، إذ أن الدول العظمى الكبرى تستخدم ضدها سياسة: «فرّق، تسُدْ» التي استخدمتها السلطنة العثمانية في الماضي وعليها القيام بخيارات أخرى. ربما يقصد التعاون أكثر مع إسرائيل.
ويقترح الكاتب على القيادة الإسرائيلية الحالية ان تقرأ الدور الذي يؤمن سلامتها واستراتيجية «بناءة».
ويرى ان من الخطأ استخدام القضية الفلسطينية للقضاء على إسرائيل كما سعى حسب قوله مفتي القدس الحاج أمين الحسيني الذي كان متأثراً (في رأيه) بالايديولوجية النازية ومعجباً بهتلر والذي التقى هتلر في تشرين الثاني/نوفمبر 1941 في برلين ثم كوفئ بنيله رتبة عسكرية بواسطة مساعد هتلر، هنريك هملر ،قائد الغستابو (ص 37 ـ 38).
إذاً، فتصح في هذا المجال مقولة «يُقرأ الكتاب من عنوانه» فالكاتب صهيوني الهوى، يسعى للتشهير، ولا عجبَ ان يتوصل إلى الاستنتاج في الفصل الأخير من الكتاب بأن إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو تحمي الأقليات فيها وفي المنطقة عموماً، وان الدولة الفلسطينية من غير الممكن ان تظهر إلى حيز الواقع إلا بعد موافقة إسرائيل على وجودها وعلى القالب الذي ستكون فيه.
أما ربط حماية إسرائيل للأقليات بقضية الحل الواقعي الأفضل لقضية انشاء الدولة الفلسطينية في هذا الكتاب فيمكن فهمه بأن الحروب بين الأقليات والأكثريات الدينية والأثنية في المنطقة ستستمر إلا إذا قررت هذه المجموعات العربية الخضوع للمنطق الإسرائيلي، والرضوخ لما يريده نتنياهو وأعوانه. وإذا حصل ذلك، فقد تساهم إسرائيل في الحرب ضد الإسلام الراديكالي وفي حملات احتوائه وإلا فستقف متفرجة.
وفي نظرة شاملة إلى الكتاب فإنه يشمل أفكاراً مبعثرة، تارة فيها تحاليل دينية تلمودية وأخرى تاريخية منحازة، وهي غير متواصلة فكرياً ومنطقياً وتساهم في تشويش القارئ ويشوبها عدم التعمق أو الموضوعية في التحليل وفي ربط الوقائع، مما يطرح مجددا الأسئلة والاستفسارات حول سجل المؤلف الفكري والسياسي وحقيقة هويته المبهمة ودوافعه خصوصاً انه يعرف نفسه بالفيلسوف.
والكاتب حامل الدكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية وفي الوقت نفسه مستشار عسكري في القوات البحرية وقائد فرقاطة حربية ورهينة في لبنان يحمل اسماً لبنانيا.
وبرغم الفصول الكثيرة في الكتاب فإن تحاليله للقضايا الأساسية مقتضبة، فهو يعتبر ان إسرائيل انتصرت في جميع الحروب التي خاضتها في المنطقة، ويبرر تواطؤ بريطانيا مع اليهود لدى تقسيم فلسطين، ويشكك في نية أي جهة راديكالية عربية إسلامية في محاربة إسرائيل، وينوه بشجاعة القادة العرب الذين هادنوا واتفقوا مع الدولة العبرية ويشكك في وطنية وواقعية الموقف العربي الموحد والوحدة العربية ـ الإسلامية لمواجهة إسرائيل.
أما الموقف الذي يؤكد ميول الكاتب الصهيونية المتطرفة فهو أنه لم يكتف باتهام الحاج امين الحسيني بالنازية، بل أشار إلى أن القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (الذي قال عساف أنه ينحدر عائليا من الحسيني) كان بدوره نازياً، وأنه خلال الحرب العالمية الثانية تدرب على أيدي ضباط ألمان من «الغستابو« (وآفن اس.اس) سعياً لتحقيق حلم الشيخ الحسيني لإنشاء مملكة عربية موحدة، وان انتماء عرفات إلى «جيش الجهاد المقدس» في عام 1946 لمحاربة المنظمات الصهيونية (الهاغانا والارغون) يندرج في تعاطفه مع النازية (ص 57). ويتهم الكاتب عرفات بإشعال الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975 ضد اللبنانيين المسيحيين المتعاطفين مع إسرائيل والساعين إلى توقيع اتفاق سلام معها (ص 62).
ويعتبر ان الجمهورية الإسلامية الإيرانية لديها أجندة مخفية، وإذا انتجت القنبلة النووية فإنها ستهدد إسرائيل إلى درجة أكبر وتفرض عليها شروطها. وإيران في رأيه تسعى إلى الاستمرار في برنامج تسلحها النووي وبالتالي يدعو إلى الأخذ بالموقف الإسرائيلي الرافض كليا لأي انفتاح نحو إيران.
وبالنسبة لقضية القدس، يقدم الكاتب طرحاً «توراتياً» مناسباً للموقف الإسرائيلي، بدلاً من تناول الوقائع التاريخية والإنسانية بموضوعية، ويتحفظ إزاء قرارات الأمم المتحدة التي تمنع تحويل القدس برمتها إلى عاصمة لإسرائيل.
كما يتهم المفكرين الإسلاميين عموماً بالتمسك بالنصوص الواردة في كتبهم المقدسة وتعاليمهم وشريعتهم بدلاً من مجاراتها بالواقع! وهو اتهام ينطبق بالفعل على اليهود المتشددين اكثر من غيرهم.
وينبه المؤلف إلى خطورة اختطاف القضية الفلسطينية من قبل الساعين للقضاء على دولة إسرائيل والشعب اليهودي (كهتلر والمعجبين به).
من الواضح ان توجه هذا الكتاب، أقل ما يقال فيه، انه تضليلي، إذ انه يحاول استخدام بعض الوقائع وتبسيطها وخلطها مع مجموعة من الأفكار المنحازة للتوصل إلى نتيجة هي أن خلاص العالم العربي والإسلامي من التطرف الديني قد يتحقق إذا حسّنت الدول العربية والإسلامية علاقاتها بإسرائيل وقبلت طروحاتها وطلبت مساعدتها في مواجهة المنظمات الإسلامية الجهادية المسلحة وفي حماية الأقليات المقيمة فيها.
ولكن السؤال يُطرَح: إذا كانت إسرائيل بالفعل تحرص على حقوق الشعوب والأقليات التي تقطن الدول المحيطة بها فلماذا همّها الأول والأخير التوسع والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية وعدم التخلي عنها وبناء المستوطنات فيها والتعدي على مقدساتها؟

التسميات:

إرسال تعليق

Author Name

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.