توقع العرب والمسلمون بعد اعتداء أورلاندو والهجوم العنيف الذي شنّه المرشح الجمهوري لرئاسة الجمهورية الأمريكية دونالد ترامب على الإسلام والمسلمين رداً عقلانيّاً من نظيرته المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، لكن ما صدر على لسانها يثير الكثير من علامات الاستفهام.
قالت كلينتون بصريح العبارة: «حان الوقت ليمنع السعوديون والقطريون والكويتيون وآخرون مواطنيهم من تمويل منظمات متطرفة. يجب أن يكفوا عن دعم مدارس ومساجد متطرفة دفعت بعدد كبير من الشبان على طريق التطرف في العالم»، وفي جملة لاحقة قالت «إرهابيّ أورلاندو مات لكن الجرثومة التي سمّمت روحه لا تزال حيّة».
يربط الخطاب بشكل لا شك فيه دول الخليج ومواطنيها والمدارس التي تنشئها أو تدعمها بالتطرّف، والأسوأ من ذلك أن توقيت الخطاب يضع علاقة بين تلك الدول والعملية الإرهابية التي جرت في نهاية الأسبوع الماضي وأودت بحياة 49 شخصاً في ملهى للمثليين بمدينة أورلاندو الأمريكية.
ورغم أن كلينتون قالت قبل يوم واحد من خطابها المذكور إنه لا يمكن إعلان حرب على ديانة بأكملها، لكنّها عمليّاً تقبّلت جزءاً من خطاب ترامب العنصريّ فاعتبرت مطالبة ترامب باستخدام عبارة «الإرهاب الإسلامي» أمراً غير ذي أهمية، رغم أنها محامية (وكانت سيّدة أولى ووزيرة للخارجية) وتعلم تماماً أن الاستخدام السياسيّ لهذا التعبير يحمل نتائج وخيمة ويؤدي منطقيّا إلى شكل من أشكال الحرب على ديانة بأكملها (صفحة «صحف عبرية» اليوم تحمل مقالة في جريدة «إسرائيل اليوم» تطالب باستخدام عبارة «الإرهاب الإسلامي»).
من خلال لومها دول الخليج، وبطريقة لا تختلف كثيرا عن ترامب، تلعب كلينتون عمليّاً، لعبة الملامة وذلك لإبعاد الولايات المتحدة الأمريكية عن مسؤولية تأجيج التطرّف ونشره في أنحاء العالم، وهي كما يقول المثل، تضع العربة أمام الحصان، فالأفكار المتطرّفة موجودة في البلدان العربية والعالم كما هي موجودة في أمريكا، ليس في قاع المجتمع فحسب بل ضمن نخبته السياسية أيضاً (كما نشهد الآن في ترامب ظاهرته الأجلى) وهذه الأفكار المتطرّفة تبقى كامنة إلى أن يتوفّر لها الحيّز المناسب للظهور إلى السطح، وهو ما شهدناه عدة مرّات في أمريكا نفسها.
انتشار التطرّف العنيف المسلّح، بهذا المعنى، يحصل في مجتمعات تتعرّض لصدوع عنيفة أو حروب أهلية تكسر أجهزة المناعة الداخلية فيها، وهو الأمر الذي لواشنطن حصّة كبرى فيه من خلال احتلالها الكاسر لبلدين مسلمين، أفغانستان والعراق، والذي تمّ بدعوى القضاء على تنظيم «القاعدة» لكنّه أدّى، عمليّاً، إلى تأجيج حمّى التطرّف ونشره في كل أرجاء المعمورة.
الموجة الكبرى من الإرهاب الحاصل لا تتعلق أبداً بمدارس تنشر «الفكر المتطرّف» بل تستمدّ عنفها الانتحاري من المآسي المستمرة في العراق وسوريا والتي تتحمّل السياسة الخارجية الأمريكية مسؤولية كبرى فيها بدليل استقالة كلينتون من منصبها كوزيرة للخارجية في عهد أوباما وإدلائها بتصريحات تنمّ عن نقدها لتلك السياسة.
خطاب كلينتون إشارة إلى تغيّر في التوجه السياسي للمرشحة الديمقراطية واستسلام لسرديّة إيران وروسيا والنظام السوري التي ما انفكّت تردّد هذه الأقاويل نفسها على مدى السنوات الماضية، وهو ما يطرح على دول الخليج العربي المعنيّة تحدّياً يتطلب جاهزيّة لكلّ الاحتمالات.
القدس العربي




112Share
التسميات:

إرسال تعليق

Author Name

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.