ما كان ممكناً لحفل «الإرهاب» الجاري على مجمل الأرض العربية أن ينعقد من دون أم العروس (إسرائيل) التي صادق الكنيست أمس على قانون «مكافحة الإرهاب» في طبعته الإسرائيلية.
يوسع القانون المذكور صلاحيات الأجهزة الأمنية والقضائية ويمنح وزير الأمن صلاحية إعلان أي مجموعة «تؤيد نشاطاً إرهابياً» كـ«مجموعة إرهابية» حتى لو لم تنفّذ أي عملية ضد إسرائيل.
لا يتعلّق الأمر بالتأكيد بجمعيات الإرهاب اليهودية الكثيرة التي تستهدف الفلسطينيين بالقتل والحرق وتدمّر مساجدهم وكنائسهم وتحرق محاصيلهم وتدمر بيوتهم، ولا بالمستوطنين الذين يتجوّلون محمّلين بالأسلحة في الأحياء العربية المحيطة بمستوطناتهم، ولا بالجنود الذين يقتلون النساء والأطفال على الشبهة، بل هو قانون مفصّل للفلسطينيين، وخصوصاً حركة «حماس».
يوسّع القانون الإسرائيلي مجال الاتهامات فيتيح تعريف أي جمعية خيرية يشتبه بأن لها علاقة بحركة «حماس»، ويفرض السجن حتى على الأطفال الذين يرتدون ثيابا تعتبر تضامنية مع الحركة، ويضاعف القانون العقوبة القصوى على مخالفات متعلقة بالإرهاب لتصل إلى 30 سنة سجن كما يسمح لوزير الأمن بمصادرة أملاك هذه الجمعيات ويتيح استخدام الأدلة السرية والرقابة الرقمية ويعطّل دور القضاء في القضايا «الأمنية».
وزيرة القضاء الإسرائيلي اييلت شكيد قالت إن «العمليات في أورلاندو وتل أبيب تظهر بشكل أكبر من السابق عدم وجود سبب للإرهاب»، بينما اعتبر رئيس لجنة القانون في الكنيست المصادقة عليه «يوم استقلال لدولة إسرائيل»، وفي الحالتين تقيم الوزيرة والنائب، من دون أن يلحظا، تعريفاً لإسرائيل، باعتبارها مكاناً ينتمي سياسياً وجغرافياً لأمريكا والغرب وليس للمنطقة التي تسيطر عليها بقوّة الغلبة، في الحالة الأولى، وبكون «استقلال» هذه الدولة يتساوى مع «مكافحة الإرهاب» (والذي يقرأه الفلسطينيون والعرب وأغلب المسلمين باعتباره إرهاباً) في الحالة الثانية، وهما تعريفان سالبان يلغيان معنى إسرائيل من حيث يفترضان تأكيد وجودها.
ورغم احتفال إسرائيل المستمر بفكرة انتمائها إلى الغرب، وكونها «قلعة للديمقراطية في محيط من الاستبداد العربيّ» فإن الوقائع الجغرافيّة والسياسية، وبينها قانون «مكافحة الإرهاب» الأخير هذا، لا تفعل غير أن تؤكّد العلاقة الوطيدة بين إسرائيل وأنظمة الطغيان العربية التي لا تختلف قوانين «مكافحة الإرهاب» لديها، ولا تعريفاتها للمنظمات الإرهابية، عن إسرائيل، بحيث يصبح القانون الإسرائيلي تنويعاً بدوره على طبعات القوانين العربية والتي تستهدف الطرف نفسه، ففي حين تطارد السلطات المصرية جماعة الإخوان والجماعات الليبرالية التي تعارضها، وتقفل معبر رفح وتهجر سكانها وتبني سوراً لمنع التواصل بين أهل غزة وسيناء، تقوم إسرائيل بمطاردة حركة «حماس»، وهي الفرع الفلسطيني للإخوان، كما تطارد الفصائل اليسارية وأي جماعة تحاول مقاومة الاحتلال، وتبني أسواراً فوق الأرض (وتخطط لأخرى تحت الأرض).
أسوأ ما حصل في المنطقة العربية أن إسرائيل ـ الجسم الاستعماريّ القادم من نتائج الحربين العالميتين والحلّ الكولونيالي الغربيّ للمسألة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني ـ والتي حاولت بعض الأنظمة العربية الهشّة الناشئة محاربتها عام 1948 تحوّلت إلى نموذج للدولة الوطنية العربية في قمع مجتمعاتها الأهلية (وأحياناً كثيرة باستخدام قضية فلسطين)، بحيث أصبح بعض هذه الدول أشبه بأنظمة احتلال منها بدول تحاول النهوض بشعوبها.
قانون «مكافحة الإرهاب»، بهذا المعنى، هو جزء من سياق عالميّ يتجاهل مسببّات الاستعصاءات الخطيرة في العالم (وعلى رأسها إسرائيل)، وهو أيضاً تأكيد للعلاقة الوطيدة الناشئة بين الأنظمة العربية المتغوّلة وتل أبيب.
القدس العربي
التسميات:

إرسال تعليق

Author Name

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.